من القلب

ما بعد استحقاق القارة

نبيل الحاج علي


للمرة الثانية تحرز الجزائر الكأس الإفريقية، وبذلك تحقق حلم الجمهور الجزائري الذي أطلق العنان لفرح لا يوصف غطى على كل ما تعيشه الجزائر من أزمات سياسية ومخاض يمر به شعب المليون شهيد، لكن هذا الجمهور الذي ملأ الساحات والطرقات من المطار وحتى وصول المنتخب إلى قصر الشعب لم ينس في زحمة الفوز والبهجة أن يرفع علم فلسطين، وكان ذلك لافتاً ومدهشاً وحتى صادماً لأولئك الذين نسوا فلسطين وجراحاتها وآلامها المستمرة حتى يومنا هذا، وفي ذلك عزاء لعرب المقاومة. ماذا أفرزت بطولة الكأس الإفريقية لكرة القدم بعد انتهاء ضجيجها؟! بطولة الكأس الإفريقية من البطولات الهامة على الساحة العالمية ففي إفريقيا دول وصلت مراراً إلى كأس العالم وأثبتت علو كعبها في الاستحقاقات العالمية رغم الفقر الذي يغطي مساحة القارة، فمن ينسى الجزائر ورباح مادجر.. والكاميرون وروجيه ميلاً وتونس ومصر والمغرب ونيجيريا والسنغال وجنوب إفريقيا.. لكن الواضح أن دول المغرب العربي ومصر كان لها الدور الطليعي في القارة السمراء. الجزائر أولاً فالسنغال ثم نيجيريا ثالثاً بعد أن حسمت اللقاء مع تونس بهدف وبذلك حصلت تونس على المركز الرابع وهذا نجاح بحد ذاته. رب ضارة نافعة فمصر الدولة المضيفة تعرضت لهزة عنيفة بخروجها المبكر على يد جنوب إفريقيا فرغم الاستنفار الفخم لكل الجهود الشعبية والحكومية والمؤسسات الإعلامية خرجت مصر من السباق وكان ارتداد ذلك الإطاحة بالمؤسسة الكروية والمسؤولين عن المنتخب وربما أفرز ذلك ما هو إيجابي في المسيرة الكروية المصرية في المستقبل وهذا الخروج المفاجئ مثال صريح لأولئك الذين يعتقدون أن الفوز أمر بدهي، فالعاطفة والحماس لا يكفيان لتحقيق الفوز على أرض الواقع وخاصة في الاستحقاقات الكبيرة على مستوى أي قارة. حلم اللاعبين في بطولات كهذه ليس لها حدود، فالنجوم في كل منتخب تبرز واضحة للعيان حتى في حال الخسارة، فعيون الكشافين تراقب كل صغيرة وكبيرة أثناء المباريات ومن هنا تبدأ المسيرة العالمية لأي لاعب طموح للدخول في المزاد العالمي، ومن ملاعب القارة تبدأ أحلام كل لاعب في الانضمام إلى لائحة الشهرة والنجومية والثروة. الحب الجارف لكرة القدم أصبح ظاهرة عالمية تؤكد بأن الرياضة تؤثر وبقوة في مسيرة كل دولة حتى على الصعيد السياسي وتؤكد أن الرياضة أقوى حتى من المصالح الاقتصادية التي تتركز في محيط محدود من الشرائح الاجتماعية بينما يعم التأثير الرياضي على مجمل المسار في أي دولة ويدعم مصالحها، ومن ينسى دور الرياضة السورية التي صمدت أيام الحرب الكونية على بلدنا، ومن ينسى دورها الفعال في زيادة التماسك الشعبي الذي قل نظيره، وعندما قال القائد الراحل حافظ الأسد في توصيفه الشهير "الرياضة حياة" كان يعني ذلك بالتأكيد لمعرفته بالدور المهم الذي تؤديه الرياضة وخاصة في الأزمات الضخمة وهذا ما حصل عندما تحققت الاستمرارية في المشاركات الرياضية في أصعب الظروف.